في الحقل، في الغابة، في البحر أو تحت صخرة، في كلّ بيئة حياة، تسود بين الكائنات الحية علاقات متبادلة متنوّعة؛ منها التعاون، والتنافس وكذلك علاقات يتغذّى فيها الواحد بالاعتماد على غيره.
التبادليّة – الطرفان مستفيدان
هل تذكرون نيمو، “سمكة المهرّج”، التي عاشت مع والداتها في داخل زنبقة البحر؟ يقدّم فيلم الرسوم المتحركة “نبحث عن نيمو”، أحد أكثر الأمثلة شهرة على العلاقات المتبادلة، القائمة بين أسماك المهرج وزنبق البحر. تعيش أسماك المهرج بين أذرع زنبقة البحر، وتتمتّع بحماية من أذرعها الحارقة؛ زنبقة البحر، من جانبها، تستفيد من بقايا الطعام التي تسقط من فم السمكة. لذا فإن العلاقة بالنسبة إلى أسماك المهرّج هي علاقة ضروريّة (بالمصطلح العلميّ: أوبليغتوريّة): إذا ابتعدت أسماك المهرّج عن أذرع زنبقة البحر، افتُرسَت بسُرعة، أمّا بالنسبة إلى زنبقة البحر، فإنّ هذه العلاقة غير ضروريّة، إذ إنّها قادرة على العيش بشكل جيّد من دون بقايا الطعام من أسماك المهرّج.
هناك علاقات متبادلة من نوع آخر، موجودة بين الأسماك القوبيونيّة والروبيان، العلاقة ضرورية للشريكين، اللّذين يعيشان معًا في جحر على قاع البحر: الروبيان يحفر الجحر، يبقيه نظيفًا، ويحرص على إزالة الرمل من أمام فتحته؛ أمّا الأسماك القوبيونيّة فإنّها تقف في باب الجحر وتحذّر الروبيان، صاحب حاسّة البصر الضعيفة من الخطر. يحرص الروبيان على الدوام على لمس ذنب الأسماك القوبيونيّة بواسطة مجسّاته، وتقوم الأسماك القوبيونيّة بدورها بإصدار الإشارات له من خلال حركات الذيل للتحذير من الخطر.
المنافسة – كلا الجانبين خاسران
عندما يتقاسم جنسان موردًا مشتركًا، لا يتوفّر منه ما يكفي لكليهما، تتطور المنافسة بينهما. على سبيل المثال، منافسة على الغذاء: بعد أن ينجح الفهد أو النمر في اصطياد فريسة، يجب أن يعجّلوا في أكلها قبل وصول مفترسات أخرى، مثل: الضباع والأسود والطيور آكلة الجيف، التي تريد هي الأخرى الاستمتاع بالغنائم أيضًا. هناك منافسة بين فردين ينتميان إلى الجنس نفسه، على سبيل المثال، أيلان ذكران يتنافسان في ما بينهما على الحق في التزاوج مع جميع الإناث في القطيع.
افتراس – المفترس يربح، والفريسة تخسر
في علاقات الافتراس، مخلوقات من جنس معيّن، تتغذى على مخلوقات من جنس آخر. العلاقات المتبادلة من نوع الافتراس لا تتطرّق إلى الحيوانات فقط – الذئب الذي يفترس الأرنب، على سبيل المثال، بل إلى الحيوانات التي تأكل النباتات. ومع أنّ هذا يبدو غريبًا، إلّا أنّه في لغة علماء الأحياء، تقيم الكائنات الحيّة النباتية علاقات افتراس مع غذائها النباتي.
التطفّل الطفيليّ يكسب، الحاضن يخسر
في العلاقات المتبادلة من نوع التطفّل، مخلوق ما، الذي يسمّى الطفيليّ، يعيش على أو في مخلوق آخر، الذي يُعرف باسم الحاضن، ويتغذّى منه. العديد من الأمراض هي نتيجة للتطفل، حيث أنّ البكتيريا والفطريّات أو مخلوق آخر يضرّ بالحاضن الذي تعيش في جسمه. قمل الرأس وقرادة الكلب، همت مثالان من الحياة اليوميّة على طفيليّين معروفين لكثيرين منّا.
المعايشة – هناك رابح، ولكن ليس هناك خاسر
في علاقات المعايشة، يستفيد طرف واحد من العلاقة، في حين أن الطرف الآخر لا يتأثّر بها، لا للأفضل ولا للأسوأ. على سبيل المثال، البرنقيل هي سرطانات صغيرة تعيش في الماء وتلتصق بظهور الحيتان أو قواقع السلاحف. توفّر الحيتان والسلاحف للبرنقيل موئلًا متنقّلًا، حماية من الحيوانات المفترسة وفرصًا للعثور على الغذاء من دون أن تتأثّر هي نفسها بذلك. ومع ذلك، من المهمّ التأكيد على أنّ تعريف العلاقات المتبادلة على أنّها معايشة، يمكن أن يكون إشكاليًّا. لماذا؟ لأنّنا عندما ندرس العلاقات بين كائنين حيَّيْن، فإنّ حقيقة أنّنا لم نرصد أدلّة على الضرر أو المنفعة لأيّ من الطرفين المعنيّين، لا تشير بالضرورة إلى عدم وجود أيّ منهما. هناك حالات لم تتبيّن فيها العلاقات المتبادلة، التي بدت في البداية وكأنّه لا تأثير لها في أيّ من الجانبين، في نهاية المطاف أنّها مفيدة أو ضارّة.
علاقات متبادلة أو افتراس؟ تطفّل أو منافسة؟ المؤكّد هو أنّ الكائنات الحيّة تقيم في ما بينها علاقات متبادلة تثير الانبهار، وتتبّعها من شأنه يكشف لنا الكثير عن العالم من حولنا والعلاقات التي تسود بين الأجزاء المختلفة التي يتألّف منها.