يتجلّى تغيُّر المناخ الحاليّ في زيادة تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوّيّ، وزيادة معدّل درجة الحرارة العالميّة والتغيّرات في أنماط الظواهر الجوّيّة المتطرّفة، ولكن كيف نعرف ذلك بالفعل؟
أجهزة قياس درجات الحرارة موجودة منذ حوالي 200 عام، ووسائل قياس غازات الدفيئة دخلت حيّز الاستخدام منذ عقود قليلة فقط، فكيف يمكن أن نعرف أنّ التركيزات الحاليّة لغازات الدفيئة غير مسبوقة ومتطرّفة؟ أو كيف كان المناخ قبل آلاف السنين؟ العلم والطبيعة لديهما إجابات عن هذه الأسئلة.
تم بناء العديد من الهياكل الطبيعيّة، مثل الجبال الجليدية، جذوع الأشجار، طبقات التربة والشعاب المرجانيّة، في طبقات على مدى آلاف، بل ملايين السنين. يتأثّر تكوين الطبقات بالظروف البيئيّة في وقت تكوينها، وبالتالي فإنّ الطبقات هي علامات على المناخ الذي كان موجودًا هنا في الماضي. يسمح فحص الطبقات ومقارنة المعطيات بين العلامات المختلفة بإعادة بناء التاريخ المناخيّ، المحلّيّ والعالميّ. في معرض “درجة الحرارة ترتفع: المناخ والأزمة ونحن” يمكنكم أن تشاهدوا أمثلة على هذه العلامات، معظمها من منطقتنا.
نواة حفر
ترسّبات بحيرة اللسان
خلال العصر الجليديّ الأخير، قبل 14-70 ألف سنة، كانت هناك بحيرة قديمة في منطقة البحر الميّت سُمّيت بحيرة اللسان، وسمّيت بهذا الاسم بسبب شكلها. امتدت البحيرة في أوجها من بحيرة طبريّا في الشمال إلى حتسيفا جنوبًا. تراكمت في قاع البحيرة الترسّبات والمعادن التي ترسّبت من مياه البحيرة. يسمح أخذ العينات وتحليل هذه الموادّ للباحثين بإعادة بناء الظروف البيئيّة التي كانت سائدة في المنطقة. تمثّل نواة الحفر المعروضة في معرض “درجة الحرارة ترتفع” 1000 عام من ترسّبات البحيرة منذ قبل 25,000 عام مضت. يمثل كلّ زوج من الطبقات في النواة – طبقة فاتحة اللون وطبقة داكنة – سنة واحدة في حياة البحيرة. تمثّل الطبقات الفاتحة اللون موسم الجفاف (الصيف)، الذي تترسّب فيه المادّة الجيريّة في البحيرة. الطبقة الداكنة هي طبقة من موادّ الجرف التي تأتي مع فيضانات الشتاء. وفقًا لسُمك الطبقات المختلفة، من الممكن معرفة أحداث الفيضانات الكبيرة. وهكذا، على سبيل المثال، تشير الطبقات الداكنة السميكة إلى فترة من الفيضانات، والطبقات الداكنة الرقيقة هي دليل على فترات الجفاف التي حدث فيها تبخّر متزايد.
البحر الميّت
في إطار عمليات الحفر للبحث العلميّ التي أُجريت في قاع البحر الميّت، تم أخذ عينات من عمق يصل إلى 465 مترًا. سمحت العيّنات بإعادة بناء المناخ في آخر 220 ألف سنة في منطقتنا. هنا أيضًا، تمثل الطبقات الداكنة موسم الأمطار وتحتوي على موادّ الجرف التي وصلت مع الفيضانات، في حين أنّ الطبقات البيضاء هي الملح الذي ترسّب خلال فترات الجفاف الشديد في منطقة تصريف البحيرة.
جليد
في عملية تكوّن الجبال الجليديّة، بعد تراكم كمّيّة كبيرة من الثلج على الأرض، ينضغط الثلج ليصبح جليدًا، وتُحتجز فقاعات هواء صغيرة فيه. تسمح هذه الفقاعات للباحثين بدراسة على تركيبة الغازات وتركيزها في الغلاف الجوّيّ، في الوقت الذي تشكّلت فيه الطبقات في الجبل الجليدي، وبالتالي التعرّف أيضًا على درجة الحرارة التي كانت سائدة في ذلك الوقت. من خلال تحليل الطبقات في نوى الحفر، اكتشف الباحثون أنّ تركيز ثاني أكسيد الكربون (CO2 ) حافظ على دورة لمئات الآلاف من السنين، ولكن منذ حوالي عام 1950 (الثورة الصناعيّة)، كان تركيزه يتزايد باستمرار بمعدل غير مسبوق، ووصل إلى الذروة التي لم نشهدها منذ 800,000 عام على الأقلّ، دون أيّ علامة على التباطؤ.
حلقات نموّ
حلقات النموّ السنويّة في الأشجار
حتّى الموادّ العضويّة، كالأشجار على سبيل المثال، يمكنها أن تخبرنا بما كان موجودًا هنا ذات مرّة. ربّما تعلمون بالفعل أنّه يمكنكم تقدير عمر الشجرة من خلال عدّ حلقات نموّها، ولكن تبيّن أنّه يمكنكم أيضًا تقدير كمّيّة المطر التي تهطل كلّ عام. تنمو الشجرة في طبقات حلقات، من الداخل إلى الخارج، لذا فإنّ الحلقة الخارجيّة هي الأحدث. هنا أيضًا، يمثّل كلّ زوج من الحلقات، الداكنة والفاتحة، عامًا واحدًا في حياة الشجرة. في هذه الحالة، تكون الحلقة المظلمة موسم الجفاف، بينما تتطور الحلقات الفاتحة اللون موسم الأمطار. المهمّ هنا هو سُمك الحلقة، لأنّه يدلّ على وتيرة نموّ الشجرة، ومنه يمكن التعرّف على كمّيّة الرواسب. تشير الحلقات الضيّقة إلى نموّ بطيء، النابع على ما يبدو من قلّة الرواسب، بينما تشير الحلقات الواسعة إلى سنوات ماطرة، يمكن أن تنمو فيها الشجرة بقدر أكبر.
المرجان
مثل الأشجار، تنمو هياكل المرجان الحجريّ أيضًا بشكل تدريجيّ على شكل حلقات نموّ سنويّة. التحليل الكيميائيّ للحلقات، يجعل من الممكن تحديد درجة حرارة وتركيبة مياه البحر خلال حياة المرجان.
الهوابط والصواعد
توثّق الهوابط والصواعد في كهف سوريك في جبال يهودا تسلسل التغيّرات التي حدثت في المنطقة على مدى الـ 250 ألف سنة الماضية. تتكوّن الهوابط والصواعد في تجاويف الكهوف في أعقاب تسرّب مياه الأمطار التي تمرّ عبر طبقات من الصخور والتربة. إنّ تحليل حلقات النموّ السنويّة يجعل من الممكن إعادة بناء الظروف المناخيّة في وقت تكوّنها: كمّيّة الرواسب، ونوع الغطاء النباتيّ ودرجة الحرارة.
موادّ عضويّة
منخربات
هناك طريقة أخرى لمعرفة الظروف المناخيّة السائدة في منطقة معيّنة، وهي من خلال الكائنات المجهريّة المسمّاة مُنخربات (فورامينيفيرا) والتي ترسّبت في قاع البحر. التحليل الكيميائيّ للهياكل العظميّة للمخلوقات، يجعل من الممكن تحديد درجات حرارة وتركيبة مياه البحر وإعادة بناء المناخات التي تعود إلى ملايين السنين.
حبوب لقاح النباتات
حبوب اللقاح هي الخلايا الجنسيّة الذكريّة للنبات. يتسبّب حجمها المجهريّ وجدارها المتين في الحفاظ عليها كأحفوريات لآلاف السنين. يعرف أيّ شخص زرع نباتات في المنزل أنّ كلّ نبتة تتطلّب ظروف نموّ معيّنة مناسبة لها. لذلك، فإنّ التعرّف على حبوب اللقاح في الطبقات القديمة، يمكن أن يدلّنا على أيّ النباتات كانت في مناطق مختلفة وفي فترات مختلفة، ومن هذا يمكننا استنتاج الظروف المناخيّة التي كانت سائدة في الماضي. بيّنت الدراسات التي أُجريت مؤخّرًا في منطقتنا، أنّ حبوب لقاح البلوط الشائعة هي مؤشّر جيّد للرطوبة بينما تعدّ حُبيبات الشيح مؤشّرًا جيّدًا على الجفاف.