من شجرة اليوكالبتوس والحمّاض البريّ إلى المينة الشائعة والنمل الناريّ: كيف يصبح النوع غازيًا (تلميح، هذا يتعلّق بالبشر)، ما هي المخاطر وكيف يمكن منعها؟ يوضّح ذلك دنيئيل بركوفيتش، مدير مجموعة الطيور (البيض والأعشاش) في متحف الطبيعية
في عام 1867، طلب رجل إنجليزيّ كان يهوى الصيد ويعيش في أستراليا من ابن عمه، وهو نبيل حسن النية، جِراء أرانب حتى يتمكّن من مواصلة هوايته المحبوبة في أستراليا أيضًا. لا يوجد شيء مثل الشعور بأنّك في بيتك … واصلت شحنة الأرانب الصغيرة طريقها إلى متنزّه براون بالقرب من فيتلسي، فيكتوريا، وتمّ إطلاق الأرانب الصغيرة في الطبيعة. في ظلّ غياب مفترس طبيعيّ، تكاثرت الأرانب الصغيرة في غضون سنوات قليلة لدرجة الانفجار السكّانيّ. لقد قضت على النباتات المحلّيّة والفريدة من نوعها في جنوب أستراليا وتسبّبت في نقص الغذاء لحيوانات الجرابيّات المحلّيّة.
فشلت جميع المحاولات لوقف تربية الأرانب الصغيرة من خلال الصيد. كانت حالة الطبيعة سيّئة للغاية لدرجة أنّه تقرّر في عام 1901 بناء أطول جدار فاصل على الإطلاق تمّ بناؤه ضدّ أحد الأنواع الغازية. تمّ الحفاظ على فعّاليّة الجدار نسبيًا حتّى الخمسينيّات من القرن الماضي، عندما تمّ العثور على طرق جديدة وأكثر فاعليّة لمكافحة هذه الظاهرة.
ربّما تكون الأرانب الصغيرة في أستراليا مثالًا متطرّفًا، لكن ليس هناك نقص في الأمثلة للعديد من الأنواع الأخرى التي وصلت إلى بيئة جديدة بسبب النشاط البشريّ، واستقرّت هناك وانتشرت دون أن يعترض سبيلها أحد. هذه الأنواع نُطلق عليها الأنواع الغازية. في معظم الأوقات، من اللحظة التي نكتشف فيها نوعًا غازيًا وحتى نبدأ في اتّخاذ الإجراءات لطرده من المنطقة، يكون الوقت قد فات بالفعل: إنّه هنا، يزاحم الأنواع المحلّيّة ويتسبّب في أضرار بيئيّة على هذا المستوى أو ذاك.
في الكثير من الحالات، تسبّب الأنواع الغازية أيضًا أضرارًا للأنظمة الاصطناعيّة، ممّا يتسبّب في أضرار صحّيّة واقتصاديّة وبشكل رئيسيّ في الزراعة، ولكن أيضًا في الفروع الأخرى. تشير التقديرات إلى أنّ الضرر السنويّ الذي يلحق بالاقتصاد العالميّ بسبب الأنواع الغازية يبلغ حاليًا 1.4 مليار دولار، ومن المتوقّع أن يكون هذا المعطى أعلى في المستقبل مع زيادة تغيّرات المناخ.
وماذا عن اسرائيل؟ لدينا أيضًا عدد غير قليل من الأنواع الغازية. اليوم، من المعروف أنّ 29 نوعًا من أسماك المياه العذبة و 18 نوعًا من الطيور وأكثر من 40 نوعًا من القواقع، وأكثر من 200 نوع من الحشرات وما لا يقلّ عن 166 نوعًا من النباتات التي استقرّت في الطبيعة الإسرائيليّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكننا تعداد 250 نوعًا انتقلت من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسّط (هجرة لسبسيّة) بعد فتح قناة السويس، منها 69 نوعًا من الأسماك. مقلق؟ انتظروا حتّى تقرأوا ما يستطيع البعض منها فعله.
الغزاة السذّج
هناك أنواع غازية تبدو “ساذجة”، بل تمّ استيعابها في ثقافتنا وتجارب طفولتنا. أحد الأمثلة على ذلك هو الأقصليس (الحمّاض البريّ) (Oxalis). نعم، النبات الذي تناوله كلّ واحد في طفولته ويستمرّ أطفاله في تناوله، والذي حذّرونا منه (على الأقلّ أنا) من أنّه ينمو حيث يتغوّط كلب الجيران (وبالتالي ربّما ليس من المفضّل تناوله حقًّا)، هو في الواقع نوع غازٍ. على هذا النحو، يمكن الآن أيضًا رؤية الحمّاض البريّ في حرش البحر المتوسّط، حيث تتنافس هناك مع النباتات المحلّيّة على الموارد والموئل. مثال آخر هو شجرة اليوكالبتوس، (Eucalyptus) التي تمّ جلبها إلى البلاد بهدف تجفيف المستنقعات، ثم تمّ استخدامها، بعد ذلك جيلًا بعد جيل، كشجرة زينة. لقد استحوذت أشجار اليوكالبتوس على مساحات شاسعة من مناطق الغابات، وإذا فحصنا تنوّع الأنواع النباتيّة التي تنمو تحتها، سنجد أنّها نادرة جدًا مقارنة بالأشجار المحلّيّة. للنباتات بشكلٍ عام، والأشجار بشكلٍ خاصّ، تأثير كبير في النظام البيئيّ الذي تعيش فيه، ويمكننا تسمية أشجار أخرى التي استقرّت في البلاد وغيّرت وجهها: أزدرخت، أثأب الهند، تيبوانا تيبو وغيرها.
نار مستعرة
من أبرز خصائص الأنواع الغازية هو العدوان الموجّه نحو الأنواع المحلّيّة المنافسة. وخير مثال على ذلك هو نملة النار الصغيرة (Wasmannia auropunctata، والتي تمّ الإعلان عنها كواحدة من أخطر مائة نوع غازٍ في العالم. هذه نملة صغيرة جدًّا، يبلغ طولها 5.4-1.5 مليميتر فقط، لدغتها مؤلمة وحارقة مثل حرق النار. لا يوجد اليوم مكان تقريبًا في البلاد غير موبوء بنملة النار الصغيرة. كيف وصلت إلينا؟ هناك صيغتان. وبحسب أحداها، في نهاية التسعينيّات، كان النمل يرافق شحنة من العوارض الخشبيّة وصلت بالسفن إلى جنوب البلاد. وفقًا للصيغة الأخرى، أحضرها السوّاح الجوّالون بطريق الخطأ في الحقائب من البرازيل. لا يهمّ أيّ من الصيغتين صحيحة، فالحقيقة هي أنّ هذا النوع قد رسّخ أقدامه جيّدًا في الحدائق في جميع أنحاء البلاد، حيث وصل إليها من خلال الأصص التي أصابتها العدوى في المشاتل. نملة النار الصغيرة هي آكلة كلّ شيء، لكن كلّ شيء بالفعل! من صغار الطيور إلى الجنادب والعناكب! يتناسب حجمها الصغير عكسيًّا مع قدرتها على القضاء على مجموعة متنوّعة من الغذاء في الأماكن التي تغزوها. منذ اللحظة التي تغزو فيها، تبني أعشاشًا جديدة بوتيرة مذهلة. عادة، في غضون بضع سنوات منذ وصول النمل إلى منطقة جديدة، يمكن أن نرى كيف يقضي على مجموعة كاملة من المفصليّات التي تعيش في المنطقة ويلحق الضرر بالسلسلة الغذائيّة بأكملها في المنطقة التي غزاها.
عدوانيّة ورائعة الجمال
يتمّ جلب بعض الأنواع الغازية إلى البلاد عن طريق الخطأ، مثل الحمّاض البرّيّ ونمل النار، ولكن هناك بعض الأنواع التي تمّ جلبها عن قصد، مثل اليوكالبتوس. نوع آخر تمّ إحضاره إلى البلاد عن قصد وأصبح نوعًا غازيًا يعيش في جميع أنحاء البلاد اليوم هو المينة الشائعة (Acridotheres tristis)إنهّا طائر مغرّد متوسّط الحجم رائعة التغريد، تمّ استيرادها إلى البلاد لغرض تربيتها في أقفاص.
مصدرها في المناطق الاستوائيّة في جنوب آسيا وشبه القارة الهنديّة، ومن هناك انتشرت في جميع القارّات، باستثناء القارّة القطبيّة الجنوبيّة. إنّها آكلة كلّ شيء وتتغذّى على مجموعة متنوّعة من أنواع الغذاء: الفواكه، الزغاليل، بيض الطيور الأخرى والسحالي.
حتّى المينة الشائعة، مثل نملة النار الصغيرة، تمّ الإعلان عنها كواحدة من أخطر مائة نوع غازٍ في العالم. فهي تتكاثر على مدار العام، لذلك تمّ جلبها إلى بعض البلدان بهدف استخدامها في دور المكافحة البيولوجيّة للأنواع الضارّة في الزراعة. مع ذلك، سرعان ما اتّضح أنّ ذلك كان خطأً فادحًا. بدأت طيور المينة نفسها في إلحاق الأضرار بالزراعة وتدمير الأنواع المحلّيّة بشكل منهجيّ.
أحضرت المينة الشائعة إلى البلاد كطير زينة، كان من المفترض أن يتمّ الاحتفاظ بها في أقفاص، ولكن في التسعينيّات من القرن الماضي، على ما يبدو، هربت أو تمّ إطلاق سراح البعض منها من الأقفاص في غاني يهوشوع في قلب تلّ أبيب والباقي يعدّ من التاريخ. تمكّنت طيور المينة من ترسيخ وجودها في البلاد في المدن وكذلك في البلدات الزراعيّة، وهي تسبّب الكثير من الضرر للأنواع المحلّيّة. بالإضافة إلى ذلك، بسبب عدوانها الإقليميّ، فقد لوحظ أيضًا أنّها تهاجم أيضًا البشر والحيوانات الأليفة في المناطق الحضريّة.
إذًا ما العمل؟
الطريقة الأفضل والأكثر فعّاليّة لمحاربة الأنواع الغازية هي منع وصولها إلى أماكن جديدة. غالبًا، بمجرد أن يتمكّن أحد الأنواع الغازية من ترسيخ نفسه، سيكون من الصعب للغاية إيقاف انتشاره في الحيّز بسبب عدم وجود أعداء طبيعيّين ومعدّل تكاثره المرتفع.
هناك طريقة أخرى لمحاربة الأنواع الغازية وهي الحفاظ على نظام بيئيّ قويّ، والذي يتضمّن تنوعًا بيولوجيًّا عاليًا للأنواع المحلّيّة، والتي يمكن أن تبطئ، بل وتمنع في بعض الأحيان، انتشار الأنواع الغازية. غالبًا، تتكاثر الأنواع الغازية بشكل أفضل في الأماكن التي تسود فيها ظروف مماثلة لموائلها الأصليّة، لذلك حتّى زراعة النباتات المحلّيّة في الحدائق الخاصّة وتقوية النباتات والكائنات الحيّة المحلّيّة يمكن أن تسهم في إبطاء معدّل انتشار الأنواع الغازية في إسرائيل.
إذا وجدتم نوعًا من النباتات أو الكائنات الحيّة غير المألوفة لكم في البيئة الطبيعية؟ أبلغوا مركز רט”ג على الرقم * 3639 وقد تتمكّنوا ربّما من منع غزو الأنواع التالية.