إحدى المشاكل في أزمة المناخ هي الظواهر التي تعزّز نفسها بنفسها. يسبب الاحترار العالميّ تغيّرات تزيد بدورها من الاحترار، وتعود وتتكرّر. لا يمكننا إعادة العجلة إلى الوراء، لكنّ مهمّتنا هي إيقافها، أو على الأقلّ إبطاء العمليّات التي تدفعها. الخطوة الأولى هي دراسة ومعرفة ما يحدث بالضبط وما السبب في حدوثه.
ألقى وزير خارجيّة توفالو، وهي دولة جزر في المحيط الهادئ، خطابًا أمام المشاركين في مؤتمر غلازغو وهو يقف وسط مياه المحيط، لتجسيد خطر ارتفاع مستوى سطح البحر. ولكن، لماذا ترتفع مياه البحر؟ ماذا يحدث عندما تذوب الجبال الجليديّة؟ ماذا يهمّ أن مياه المحيط ترتفع درجة حرارتها؟ وما صلة كلّ هذا بالكوكا كولا؟
ماذا يحدث عندما يذوب الجليد؟
تخيلوا كوب كولا مع مكعبات ثلج فيه. عندما يسخن الجليد ويصبح سائلًا، لن يتغيّر مستوى الماء في الكوب تقريبًا، لأنّ حجم الماء المضاف يحلّ محلّ الحجم الذي شغله الجليد. وينطبق الشيء نفسه على الجبال الجليديّة البحريّة: عندما تسخن وتصبح سائلة، نادرًا ما يتغير مستوى سطح البحر (التغيّر يكاد لا يذكر وينتج عن اختلافات الكثافة بين المياه العذبة والمياه المالحة).
إذًا، أين المشكلة؟ الجبال الجليديّة موجودة على اليابسة أيضًا. حوالي 10٪ من سطح الأرض مغطّى بالجليد، معظمه في غرينلاند وأنتاركتيكا. على عكس الجبال الجليديّة البحريّة، فإنّ ذوبان الجبال الجليديّة القاريّة، وتدفّق المياه منها إلى المحيطات، يسبب ارتفاع مستوى سطح البحر (لأنّ هذه هي مياه لم تكن في البحر من قبل).
ماذا يحدث عندما ترتفع درجة حرارة مياه البحر؟
ليس فقط ذوبان الأنهار الجليديّة الأرض هو ما يرفع منسوب مياه البحر; إنّ ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات أيضًا يسبب ذلك.
مثل أيّ مادّة، عندما ترتفع درجة حرارة مياه البحر، تتمدّد وتحتلّ حجمًا أكبر. جزء كبير من ارتفاع مستوى سطح البحر هو نتيجة تمدّد المياه بسبب ارتفاع درجة حرارتها. بالإضافة إلى ذلك، يؤدّي ارتفاع درجة حرارة الماء أيضًا إلى انخفاض كمّيّة ثاني أكسيد الكربون المذاب فيه، وإطلاقه إلى الغلاف الجوّيّ. كيف يحدث هذا؟
سنواصل مع التشبيه بالكولا الباردة. هل تعلمون أنّ الكولا الباردة تحتوي على غازات أكثر، ولكن إذا ارتفعت درجة حرارتها وفتحتنا القنّينة، تنطلق جميع الغازات منها ويصبح مذاقها أقلّ جودة؟ يحدث هذا لأن السائل البارد يمكن أن “يحتوي” على غازات أكثر داخله، أو، على وجه الدقة: إنّ قابليّة ذوبان الغازات، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون، في الماء البارد أعلى. نعود الآن إلى المحيطات. اليوم حوالي 30% من ثاني أكسيد الكربون الذي ينطلق إلى الغلاف الجوّيّ بسبب النشاط البشريّ، يذوب في مياه المحيط. إذا ارتفعت درجة حرارتها، سيذوب ثاني أكسيد الكربون فيها. وبهذه الطريقة، سوف تساهمون بشكل أقل في التخلّص من الكربون الإضافيّ الناتج عن النشاط البشريّ. يتراكم فائض الغاز في الغلاف الجوّيّ، ممّا يؤدّي إلى مزيد من الاحترار، وهكذا دواليك.
ولكن تأثير احترار المناخ على الجبال الجليديّة، المحيطات والغلاف الجوّيّ لا يقف هنا.
هناك تأثير كرة ثلج آخر (معذرة عن التورية) نابع من لون الجليد.
كيف يؤثر اختفاء المنظر الطبيعيّ الأبيض؟
هل تساءلتم يومًا لماذا في إسرائيل الحارّة معظم السيّارات بيضاء؟ أو لماذا في الثلج يخرجون للحمّامات الشمسيّة أكثر؟ السبب له علاقة بامتصاص وإرجاع أشعّة الشمس. تعكس الأسطح الفاتحة اللون معظم الأشعّة وتمتص القليل منها فقط. لذلك تسخن الفاتحة اللون بقدر أقلّ مقارنة بالأسطح الداكنة، التي تمتص المزيد من الأشعّة. لذا فإن السيّارة البيضاء تسخن أقلّ مقارنة بالسيّارة الداكنة اللون، ونحن نأخذ حمّامًا شمسيًّا في الثلج بسبب الأشعّة المنعكس منه. وكذلك الأمر الجبال الجليديّة البيضاء: إذ إنّها تعكس معظم أشعّة الشمس وتسخن بقدر أقل من سطح الأرض أو مياه المحيط الداكنة أكثر. يزيد ذوبان الجبال الجليديّة من مساحة السطح الداكن للأرض، ويزيد من وتيرة الاحترار. هنا، أيضًا، يوجد ردّ فعل لولبيّ: درجات الحرارة ترتفع، الجبال الجليديّة تذوب، تزداد مساحة السطح الداكن الذي يمتص قدرًا أكبر من أشعّة الشمس، ترتفع درجة الحرارة وهكذا دواليك.
المعروض “على جليد رقيق” في المعرض“درجة الحرارة ترتفع: المناخ، الأزمة ونحن” يوضّح الفرق في ارتفاع درجة حرارة الأسطح بألوان مختلفة: الجليد الأبيض مقابل المحيط الداكن.
وماذا يحدث في القطبين؟
تحدثنا عن الجليد البحري والقارّيّ، وسننهي بالتربة الصقيعيّة (Permafrost). هذه هي المناطق التي كانت درجة حرارة التربة فيها لمدّة عامين على الأقلّ تحت الصفر. حوالي 25٪ من المناطق الشماليّة من الكرة الأرضيّة هي مناطق تربة صقيعيّة. تحتوي التربة في هذه المناطق على مجمّعات ضخمة من الكربون العضويّ – ضعف كمّيّة الكربون الموجودة في الغلاف الجوّيّ بأكمله. عندما تذوب التربة الصقيعيّة، ينطلق مخزون ثاني أكسيد الكربون والميثان الموجود فيها. إن إطلاق هذه الغازات، وهي غازات دفيئة، يسرّع الاحترار العالميّ. كما في الحالات السابقة، هناك ردّ فعل دائريّ يتعاظم. يؤدي الاحترار العالمي إلى ذوبان التربة الصقيعيّة، ممّا يؤدّي إلى إطلاق غازات الدفيئة وزيادة الاحترار.
أزمة المناخ هنا بالفعل؛ إنّها حقيقة واقعة. السؤال هو: ماذا نفعل من الآن فصاعدًا؟ تجسّد الأمثلة التي قدمناها هنا الحاجة إلى اتّخاذ إجراءات سريعة. إذا لم نفعل شيئًا، فإنّ الأزمة ستزداد سوءًا، لأنّ هذه العمليات تغذّي نفسها. في مثل هذه الحالة يزداد خطر تجاوز نقاط اللاعودة، وبعد ذلك لن يكون من الممكن إعادة الوضع إلى طبيعته لآلاف السنين. الإجراءات التي سيتخذها البشر في الفترة القادمة، وخاصّة تلك التي من شأنها منع انبعاثات غازات الدفيئة، هي ما سيحدّد ما سيكون في المستقبل. تعالوا لتكونوا جزءًا من التغيير.