هناك الكثير من الجمال في الطبيعة، في الحجارة، وفي الأصداف وفي النباتات. كلّ هذه الأشياء جميلة جدًّا لدرجة أنّ البشر يستخدمونها لصنع المجوهرات منذ مئات آلاف السنين. ولكن الحشرات؟
د. دنيئيلا بار-يوسف، مديرة مجموعة المتحجّرات وعلم آثار الرخويّات (دراسة الأصداف التي تُكتشف في المواقع الأثريّة) في متحف الطبيعة على اسم شتاينهارت، تدرس، من جملة أمور أخرى، المجوهرات القديمة جدًّا في العالَم، أيّ المجوهرات التي اكتشفت في كهوف ما قبل التاريخ. المجوهرات الأقدم جدًّا المعروفة لنا ليست مستوحاة من الطبيعة فحسب، بل كانت في الواقع جزءًا منها، الشيء ذاته. أقدم الموادّ التي استخدموها للزخرفة هي أصداف المحار”، هذا ما تقوله عن الإنسان العاقل القديم. “يعود أقدم استخدام معروف لنا إلى 160 ألف سنة قبل عصرنا، وقبل نحو 120 ألف سنة اخترعوا الخيط وصنعوا السلاسل.”
منذ ذلك الحين وحتّى وقتنا الحالي، استخدم بنو البشر الطبيعة لتزيين أنفسهم. “عندي شجرة بوغنفيلية في الحديقة”، تقول نوعا ليران، مصمّمة مجوهرات معاصرة مستوحاة من الطبيعة، “وفي أحد الأيّام هبّت الريح وتطايرت أوراق الأشجار على الأرض. أوراق بالألوان الأحمر، البرتقاليّ والبنّيّ سقطت أمامي وبدت لي مثل الفراشات. جمعتها على الفور وصنعت منها مجوهرات على شكل فراشات”.
مجوهرات طبيعة
ليس من المفاجئ إذًا أن يجد الكثير من الزائرين والزائرات في معرض حشرات بالحجم الكبير تشابهًا بين الحشرات المعروضة في المعرض وبين المجوهرات. تكشف الصورة المقرّبة الدراميّة التفاصيل، والألوان والأشكال لأنواع من الحشرات المصوّرة وجماليّتها مذهلة. “ثمّة الكثير من التماثل في الحشرات المعروضة في المعرض”، تقول ليران. “النظام، التكرار، التناسب، والانسجام. تنتظم جميع هذه الأشياء إلى درجة الكامل، وهو ما يعادل الجمال. يضاف إلى ذلك التنويع المذهل، الذي يعلّمنا الكثير عن جرعات الألوان بغية خلق الجماليّات”.
مثل أوراق البوغنفيلية التي تحوّلت إلى مجوهرات الفراشات، التشابه بين أوراق النباتات والحشرات هو ظاهرة شائعة، يمكن رؤيتها في المعرض نفسه أيضًا. مثلًا، في الجندب الذي يشبه-الورقة، الذي تتمثّل استراتيجيّته الدفاعيّة الأساسيّة في التمويه، وهو يبدو مثل أوراق النبات الذي يعيش عليه هذا النوع من الجنادب.
من ناحية أخرى، هناك حشرات لا تعتبر ألوانها وشكلها شائعة في الطبيعة. تبرز خنافس من فئة الزنقبوتيّات، عل سبيل المثال، بألوانها المعدنيّة، ألوانها ورقّتها. ويطلق عليها في الإنجليزيّة ببساطة Jewel-Beetle. ألوان بعض خنافس الزنقبوت لدرجة أنّ بعض الفنّانين يستخدمون أجنحتها لصنع الأقراط.
الحشرات- مثيرة للاشمئزاز أو مذهلة؟
عرّفت عالمة الأنثروبولوجيا ماري دوغلاس الاشمئزاز على أنّه شعور ينشأ نتيجة لعبور الحدود المقبولة اجتماعياً. أي، عندما يكون أحد الأشياء في غير المحلّ الذي نعتقد أنّه ينتمي إليه. تخلق الحشرات لدى الكثير من بني البشر مشاعر الإحجام والاشمئزاز، ومن ضمن الأسباب لذلك شعورنا بأنّها تغلغلت من الحيّز الطبيعيّ إلى الحيّز الشخصيّ، البيتيّ، الخاصّ بنا. ولكن هناك أيضًا تفسير تطوّريّ: تعتبر بعض الحشرات في الاقتصاد البشريّ طفيليّات، ناقلات لعوامل الأمراض، أو ترتبط البيولوجيا الخاصّة بها بالمادّة العضويّة التي تتحلّل في الأماكن الملوّثة، ولذلك نفضّل بشكل غريزيّ الابتعاد عنها. على هذه الخلفيّة، يتيح لنا معرض حشرات بالحجم الكبير نظرة مختلفة على هذه المخلوقات، وتلقي الضوء (بكلّ ما تعنيه الكلمة) على جمالها ويتيح لنا رؤية الطبيعة بعيون أخرى.
يعرض معرض حشرات بالحجم الكبير في متحف الطبيعة على اسم شتاينهارت
نشكر د. نيطع دورتشين، الأمينة العلميّة للمعرض، والشكر موصول إلى أبيبا كيمحي ودافنا ليف اللتين ساعدتا في إعداد التقرير.